
فوري نيوز الأصفر ليس سبونج بوب…نجيب التركي كاتب وروائي يمني ، صدر له كتاب شيء من أثر _ ورواية شمس الشتاء .
اعداد : المغيره بكري
اسم الكتاب: الأصفر ليس سبونج بوب
الكاتبة: نادية الكوكباني
قراءة: نجيب التركي
(التجديد المصاحب للتجريب في المجموعة القصصية الأصفر ليس سبونج بوب)
* مدخل:
(ليس كلَّ أصفر كعبول) هذه الجملة راودتني أوَّل ما رأيت المجموعة القصصية (الأصفر… ليس سبونج بوب) للروائية (نادية الكوكباني) والصادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 2023م.
* العتبات:
* أ. العنوان: كلمة (الأصفر) بالخط العريض، ما تبقّى من العنوان بخط واضح للقارئ وكان أن امتزج باللغة العربية متمثلًا بكلمة (ليس) ومن ثم باللغة الإنجليزية المكتوبة بالعربي (سبونج بوب) التي هي إسفنجة عائشة في قاع بحر مدينة بيكيني بوتوم، بوب كائن له قلب طيب وبريء، ودائمًا ما يجد نفسه في مشكلات عديدة يحاول حلّها بطريقته الخاصة.
• ب. الغلاف: احتوى على اسم الكاتبة، وعنوان المجموعة، وتجنيسها (قصص قصيرة) واسم الدار الناشرة، وقد ارتبط الغلاف بالعنوان أيما ارتباط.
• دلالات:
للدلالات التي ينقلها إلينا غلاف الكتاب وعنوانه أهمية كبرى، وهي أول ما يلفت نظر القارئ، سأورد بعضًا مما استوحيته منها:
• أ. الصورة: صورة التقطت في الأغلب لفتاة في السابعة من عمرها ممددة على رصيف أسمنتيّ صُنع بغرض رص جوالين المياه عليه ليتم تعبئتها من الخراطيم الموصّلة من الصنابير المثبتة في خزان الماء.
• ب. الجدار الأسمنتي: يوحي للرائي بمدى بشاعة الوضع، والحال المأساوي الذي تعيشه النساء عنده كما لو أنه سجن متنقّل، وما يحصل عند ذلك الجدار الأسمنتيّ البغيض من تحرّش وغرزٍ للأعين في أجساد النساء الذاهبات والغاديات من وإلى الخزان -كونهنَّ الأكثر ورودًا عليه- إلَّا دلالة أكيدة على أن المرأة في مجتمعنا لم تنل حقها من الرعاية والاهتمام.
• ج. جالونا الزيت الأصفرين: دون أغطية، كإشارة واضحة لافتقارنا لأبسط مقومات الحياة.
• ح. الصنابير الثلاثة المتهالكة: كأنّها مثلت الموت بالنسبة للإنسان اليمني.
• خ. اسم المؤلف: كتب بالأبيض، وكأن ابتسامة نادية ترافق كتابته بذلك الشكل.
• د. الفتاة الممددة: الإعياء والإنهاك النفسي والجسدي للفتاة، وكذلك ملابسها المهترئة وحذاؤها المتهالك، يخبرنا كم أن الحرب لئيمة، وأن تبعاتها قد انتهكت الأرض والعرض!
• الإهداء: ومن العتبات الأوليّة الخارجية والرئيسة للمجموعة أنتقل إلى العتبة الأس موجب في أيّ كتاب أدبي؛ والمتمثل في الإهداء القصير والمختصر حدّ الشفافية لذات الكاتبة (لنادية بعد طول حرب…) أتت النقاط الثلاث بعد جملة الإهداء المكونة من أربعة أحرف لتجعل للقارئ مساحة حرية فيما يخص تأويلاته التي تصعد مباشرة بعد مساعدة الأس الموجب في تبسيط التعبيرات الخفيّة من وراء الإهداء النرجسي والحساب الذهني الدقيق لكلمة (طز) التي لم تكتب.
• إشارة: في الصفحة السابعة من المجموعة كتب بالخط العريض (أقاصيص) لتنبيه القارئ على أن ما سيقرؤه أقاصيص والتي تعني جمعًا لكلمة أقصوصة، والكم الهائل منها يجعلك دون إرادة تدهش لهذا الثراء القصصي غير المعتاد.
• الصياغة: أعرف كغيري (نادية) على أنها روائية أكثر من كونها قاصة، وهذه الصفة الأخيرة بالأخصّ أصعب من الأولى نظرًا لما تحتاجه القصة أو الأقصوصة من تركيز واختزال وتكثيف وخاتمة وما إلى ذلك مما يجعلها تختلف اختلافًا جذريًّا عن الرواية التي تحتمل عدة أجناسٍ أدبيّة، كلامي هنا ليس للتنظير إنما للإشادة بالصياغة التي قدمت بها نادية القصص، وخيالي حملني إلى أنها كانت تكتبهن وهي واضعة ساق على الأخرى وابتسامتها لا تكاد تغادر سماء إبداعها.
• العناوين: اختيرت بعناية وفحص شديدين للغاية بحيث لو أنني كقارئ حاولت اجتزاء العنوان وفصله عما يليه كان النص خديجًا، وإن قرأت النص متغافلًا عن العنوان وقعت بين يديّ نادية طالبًا منها السماح لي بقراءة النص مع العنوان وكأن شيئًا لم يكن.
• التجريب: بين القصص لم تكن الرتابة سيدة القص، ولم يكن التكرار سيّدًا للحكي، وكمثل للتجريب قصة (قُبلة خاطفة) حيث أُلحق العنوان بثلاث نقاط كدلالة على ما ذكرته آنفًا، تلاه سطر واحد تفرّع إلى أربعة مواضع: بعد عصف ذهني/ ونقاش/ وتباحث/ اتفقا على أن: أوردت الكاتبة بعد ذلك تعدادًا على هيئة نقاط مفصلية تمهيدية للدخول في معمعة المعنى المراد إيصاله للقارئ (جوف المصعد، تحت بير السلّم، خلف باب العمارة… إلخ) لتنتقل الكاتبة نحو القفلة (خاتمة القصة) وعلى الرغم من أنها كانت أشبه بالخبر الجاهز والمُعد مسبقًا إلّا أنه لامس وجدانيّ، ولا أريد له ومنها أكثر من ذلك.
• الجرأة: يذوب الكاتب في تفاصيل ما يكتبه وينسى أنه كتب ما كتبه ذات يوم، ومع الأيام وتداخل مواقيت حج الكلمات حول الذهن يسعى الكاتب جاهدًا للحاق بها خوفًا من السقوط على أرضية من سبقوه، ومن الواقع المزري ومسبباته التي تشغلك وأنت منهمكٌ في الكتابة بأتفه الأسباب وأحقرها، فتضيع الفكرة، ويشرد الذهن، وتتشتت العبارات هنا وهناك حتى لا يجد الكاتب بُدًّا من أن يترك ما شرّع بكتابته، لكن نادية هنا قلبت المسألة إلى جد، والكتابة إلى مهابة وإجلال، حتى أنها في ذات لقاء قالت فيما يخص استعدادها للكتابة: ( أتزيّن لها كما لو أنني عروس وهي زوجي) والقصص المعنونة بـ (حرمان، انحناءة، جموح) كمثل بسيط لمدى قدرة استيعاب الكاتبة لهذا الفن القصصي وكيفية محاكاتها للواقع المعاش بصورة أو بأخرى وتقديمه دون خوف من التابوهات والأعذار الواهية والعيب والحرام.
• التجديد: القارئ غير العارف بمعنى هذه الكلمة يجد فيما يقرأ من قصص في المجموعة على أنه نثر، أو ربما رسائل مبهمة لأحدهم، وأنا أقول لا؛ ففي القسم الثاني المعنون بـ (خيانات رجل لا يتكرر) في الصفحة رقم (27) (1) أتى النص دون عنوان ليثبت أن التجديد قائم كون القصة لا تحتمل أن تكون دون عنوان يتصل بما يليه، وسواءً أرادت بها الكاتبة أقاصيص أو حتى رسائل ناريَّة موجهة للصديق والعدو، فإنها أثبتت جدارتها بما لا يدع مجالًا للشك أن نقول حال رؤيتها أو السماع عمّا تكتبه: (إنها نادية).
• خاتمة: الشاعرية، والموسيقا، ورقصة الألم، ورصّ الكلمات وتركيبها في جمل غاية في الروعة عمل لا يستهان به، خاصة في هذا الجنس الأدبي المسمى قصة، فقد وجدت الشاعرية كمثال في قصة (حسرة ممتدة) والحزن والألم رغم تمدده من بداية المجموعة إلى نهايتها إلَّا أنه في بعض مواضع كان تركيزه عالٍ جدًّا، وكمثال وجوده في قصة (فرنكشتاين الصغير) والذكر هنا ليس للحصر إنما لتعريف القارئ بأهمية نقل الواقع بهذه السلاسة، وهذا التطور المخيف للكاتبة عما سواها، ولو كان لي يد في اختيار عنوان للمجموعة لمَّا ترددت في اختيار (فرنكشتاين الصغير).