
ام روابة عروس النيم
مشاهدات وانطباعات بعد اصطياد الصياد
حمد احمد عبدالنبي
نهار الخميس الثلاثين من يناير اعلنت قيادة متحرك الصياد التابع للقوات المسلحة عن دخول قواته لمدينة ام روابة بولاية شمال كردفان بعد معارك شرسة انتهت بهزيمة قوات المليشيا المتمردة ودحر بقية فلولها المهزومة غربا وعقب انتشار خبر تحرير مدينة ام روابة عمت الاحتفالات عدة مدن في ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض وبقية اجزاء السودان
وتأتي استعادة مدينة ام روابة من قبضة الدعم السريع بعد مرور ما يقارب العامين إذ سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة بعد نحو اقل من شهرين من بداية الحرب
في صبيحة الأحد الثاني من فبراير اي بعد مرور يومين على تحرير مدينة أم روابة توجهنا برفقة قافلة دعم للقوات المسلحة والمواطنين بأم روابة سيرتها حكومة ولاية النيل الأبيض واشتملت على أصناف متنوعة ومتعددة من المواد الغذائية ورافق القافلة اعضاء حكومة الولاية برئاسة الوالي عمر الخليفة إلى جانب مشاركة وفد اعلامي وصحفي كبير من الزملاء بالولاية
تحرك الوفد من نقطة التجمع غرب مدينة كوستي عند الثامنة الا ربع صباحا وتناول وجبة الفطور بمدينة تندلتي ومن ثم واصل المسير شاهدنا التحصينات والدفاعات للقوات المسلحة بعد الخروج من مدينة تندلتي وبدت لنا معالم وأثار المعارك في منطقة ود عشانا التابعة لمحلية ام روابة اذ شهدت المنطقة معارك ضارية وهجمات متكررة من قوات الدعم السريع في محاولة للتقدم نحو النيل الأبيض وانتهت بهزيمة الدعم السريع ولاحظنا على جانب الطريق اثار دمار وحريق مركبة تتبع للدعم السريع على بعد أمتار من ارتكاز الجيش بمنطقة ود عشانا
عند الحادية عشر والنصف صباحا كان دخولنا إلى مدينة ام روابة وسط حفاوة استقبال وحرارة لقاء شديدين رسميا وشعبيا كان والي شمال كردفان عبدالخالق عبداللطيف وقائد متحرك الصياد وعدد من قيادات القوات المسلحة على رأس مستقبلي وفد الولاية عند مدخل المدينة
وفي طريقنا إلى داخل ميدان الحرية وسط مدينة ام روابة اصطف مواطنو المدينة على جانبي الطريق مهللين مكبرين فرحين بمقدم اخوتهم من النيل الأبيض ومعبرين عن فرحتهم العارمة بانتصارات الجيش وعودة المدينة وتحررها من قبضة المليشيا المتمردة
كان الحضور من المواطنين متنوعا شيبا وشبابا رجالا ونساء واطفال وشاهدنا دخول البعض في حالات هستيريا من الفرح والغبطة بينما سقط احد الشباب مغشيا عليه على الأرض ويقف بجانبه رجلان يعانقان بعضهما تعبيرا عن شدة فرحتهما بتحرير المدينة وبدء عودة النازحين منها ولقاء الاهل والاحباب والمعارف بعد طول غياب قارب السنتين
طفلات صغيرات على جانب الطريق يغنين زهوا وفرحا ويرددن( كبرا كبرا بالباب الورا) في إشارة لهروب قوات الدعم السريع من المدينة غربا تجاه منطقة الرهد فيما تعالت صيحات الرجال وزغاريد النساء وهرولت الجميع من المنازل للترحيب بمقدمنا على قلتهم إذ نزح من المدينة غالبية سكانها بعد دخول الدعم السريع إليها أواخر مايو من العام ٢٠٢٣
وصلنا إلى ساحة ميدان الحرية وسط المدينة تم نصب صيوان لاستقبال الضيوف واكرامهم ومن ثم تبادل الكلمات الرسمية على المنصة هناك والي النيل الأبيض ووالي شمال كردفان والقيادات العسكرية لمتحرك الصياد فيما اصطفت المركبات التي تحمل محتويات القافلة على جانب الميدان
من خلال جولة قمنا بها في سوق المدينة الذي يبدو شبه مغلقا تماما الا من بعد محال تجارية صغيرة وعدد قليل ممن يفترشون بعض الأغراض بجانب بعض الخضروات واللحوم
حدثنا بعض المواطنين عن معاناتهم مع قوات الدعم السريع عندما كانت تحتل المدينة إذ سرعان ما يغلقون السوق تحت أي لحظة باطلاق وابل من الرصاص وضربهم واهانتهم دون أي اسباب وروت لنا إحدى النساء عندما وقفنا بجانبها لشراء (طماطم) من النوع المعروف محليا بأسم (الله كريم ) قالت عندما يشتري منها افراد الدعم السريع ويسلمونها القروش يجي من بعدهم اخرين يقومون بنهبها منها نهارا جهارا وشتمها فيما روت (ست شاي) جلسنا بجانبها ومن معي لنحتسي القهوة تحت ظل شجرة نيم إذ تشتهر المدينة بأشجار النيم حتى لقبت ب (عروس النيم) قالت بأن افراد الدعم السريع لديهم زبونات ستات شاي معروفات يشربون منهن القهوة ولم يكونوا يشربوا منها واشارت الى محلات بالقرب منها على طرف السوق تم احراقها تماما بأنها كانت أماكن جلوس افراد الدعم السريع وفي اثناء جلوسنا مر بجانبا احد مواطني المدينة تعرف على احد مرافقينا من اهل المدينة ممن نزحوا إلى ربك وعلمنا انه احد التجار بسوق المدينة دعوناه لشرب القهوة قال بأنه لم يجلس لشرب قهوة منذ دخول الدعم السريع لام روابة لان كل من يجلس لابد أن يكون دعامي ويتعارفون فيما بينهم على حد قوله وعرفه مرافقنا من اهل ام روابة بقوله( ديل ناس النيل الأبيض ما قصروا جابوا حاجات كتيرة ونحن اهل ام روابة لا ننسا لهم موقفهم هذا ابدا مهما طال الزمن )وكعادة وشهامة وكرم السودانيين اقسم الرجل وقام بدفع مبلغ القهوة وسألت صبي صغير لم يبلغ العشرة سنوات يبدو أنه ابن صاحبة المحل قلت له هل كنت موجود ايام الدعم السريع أجاب بنعم قلت له هل سألوك يوما قال لي نعم يوم جلدوني سوط قلت له لماذا أجاب بأنه لم يفعل شي
ومن خلال الجولة بعدد من شوارع المدينة لاحظنا اثار الدمار والنهب طالت عدد من المرافق الحكومية والعامة ان لم يكن جلها فمحكمة المدينة تم تدميرها تماما ونهب كل ما بداخلها من اثاث بل حتى الأبواب والنوافذ تم نهبها بشكل كامل وكذا الحال في بعض المرافق ولاحظنا نمو الأعشاب بشكل كبير وسط بعض الأحياء والأماكن يبدو أنها كانت مهجورة من السكان والمارة
وما خرجنا به من انطباع في هذه الزيارة لمدينة ام روابة ومن خلال نشوة وفرحة مواطنيها اللذين استقبلونا ببشر وترحاب كبيرين وسعادة وسرور فائقين يعكس لنا مدى الكبت والحرمان وسؤ المعاملة والقساوة التي كان يجدها المواطنين بالمدينة من قوات الدعم السريع التي كانت تبسط السيطرة عليها
فيما اكد لي عددا من ابناء وشباب مدينة ام روابة بأنهم لن يفرطوا بعد في حماية مدينتهم والدفاع عنها جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة وانهم سيكونون سدا منيعا لأي محاولة اعتداء في المستقبل.