مقالات وتقارير

رائد شرطة / محمد عمر يكتب: الإمتحان المفاجئ…

الخرطوم فوري نيوز

*الإمتحان المفاجئ*

رائد شرطة / محمد عمر

عندما كنت في مراحلي الدراسية كان من بين الأشياء الأكثر رعباً لنا “الإمتحان المفاجئ” يدخل المعلم إلى الفصل وبدلاً من أن يقوم بإلقاء الدرس كما هو معتاد يتجه إلى السبورة ويكتب إمتحان مفاجئ ثم يبدأ في توزيع ورقة الأسئلة ويحدد زمناً تعجيزياّ للإجابات لا يتعدى النصف ساعة غالباً
وهو بهذه الطريقة الفعالة يتعرف على المستوى الأكاديمي الحقيقي لكل طالب في صفه

دائماً ما أنظر للهجوم الكاسح الذي شنته مليشيا الدعم السريع المتمردة في رمضان 2023 من هذه الزاوية
لقد كان حقاً إمتحاناً مفاجئاً للدولة السودانية بل لكل مواطن ومواطنة في هذه البلاد .

في صباح واحد تداعى كل شئ . القيادة محاصرة ومطار الخرطوم تحت القصف المقار العسكرية ومؤسسات الدولة البنوك والوزارات وحتى المتاحف وحتى بيوتنا الوديعة الآمنة جرى إقتحامها بشكل همجي وبعدوانية مفرطة

وكان للشرطة السودانية نصيبها من العدوان إستهدف المعتدون كل مقارها وأقسامها على إمتداد مدن العاصمة وتطرفوا في إجرامهم ليصلوا به حدوداً لم يكن يتصورها العقل إنتشروا في الأحياء يبحثون عن ضباط وأفراد الشرطة داخل بيوتهم حتى من هم في التقاعد لم يسلموا منهم .

صعدت أرواح الشهداء إلى بارئها من الزملاء والزميلات في أولى ساعات الهجوم . كل ساعة تمضي تحمل نبأ شهيد هنا أو هناك . لقد كان الإمتحان صعباً إلى الدرجة التي لو تعرضت له دولٌ ذات أموال وإمكانات لما صمدت شهراً أو قليل . ولكنه السودان العظيم وثروته التي لا نظير لها بين الأمم والشعوب . ثروته الحقيقية رجاله الأسود بقلوب لا تعرف الخوف والهلع في أحلك اللحظات

تسارعت أحداث الحرب وتمدد العدوان وإشتعل الحريق ثم جاء قرار رئيس مجلس السيادة
بتكليف الفريق شرطة حينها خالد حسان بمهام المدير العام لقوات الشرطة كأول مدير عام لمؤسسة عمرها تجاوز القرن يتسلم مهامه وسط زخات الرصاص وأزيز المدافع وتساقط الأحباب من رفاق درب المهنة أمام ناظريه فقد كان الرجل في موقعه قائداً لقوات الإحتياطي المركزي أو كما يحلو لنا تسميتهم بالنسور
وكانت قيادة الإحتياطي المركزي جنوب الخرطوم تحت الحصار والهجوم المستمر ليلاً ونهاراً .

هجوم بطريقة الموجات المتتابعة التي اشتهرت بها المليشيا في أيام طغيانها الأعمى ومن يتصدى للهجوم عشرات ممن نذروا أنفسهم لله والوطن.

نعم . هو أول مدير عام للشرطة السودانية في تاريخها الطويل يتسلم مهامه محاصراً وكان التحدي الأول في تأمين وصوله لبورتسودان ليس لسلامة نفسه فهو قد باعها للواجب منذ أن رابض تحت القصف والعدوان بقلعة النسور ولكن لهدف أسمى وقضية أولى وهي الشرطة السودانية وتعافيها من جراح الحرب الغادرة فلا دولة بدونها ولا حياة ولا علم يرفرف.

كان التوفيق الإلهي حاضراً وعنايته فائقة فهاهو حسان في بورتسودان لا ليستريح رغم الأهوال والرهق ولكن ليبدأ فصلاً جديداً من فصول البطولة والشرف ومعركة كبرى من معارك التصدي للعدوان والمؤامرة الكبرى .

معركة عنوانها “التأسيس الثاني” معركة بدأت بحصر القوات من منهم اصطفاه الله شهيداً ومن منهم تحت قيد الأسر بين وحوش الجنجويد منزوعة الأخلاق والقيم ومن منهم في مأمن ليؤدي واجب خدمة الشعب قدر المستطاع .

وبعدها ماذا فقدنا من مركبات ومقار ومعينات عمل وكيفية الإستعواض
وماذا يحتاج المواطن السوداني الذي خرج من بيته بلا أوراق ثبوتية
متى؟ وكيف؟ ومن أين؟

وتجاوزاً للنجاحات الإدارية فهي ربما لا تهم القارئ الكريم سنبدأ في سلسلة حلقات عبر هذه المساحة بسرد النجاح الحقيقي في الإمتحان المفاجئ والعسير . النجاح في إستعادة الخدمات وتوجيه صفعة من أقوى الصفعات لوجه الخونة والمتآمرين الذين عقدوا رهاناً خاسراً بحتمية سقوط الدولة السودانية وفناؤها تحت حوافر خيول حقدهم الأعمى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى