
تقرير الهضيبي يس…
خلافات مصر وإثيوبيا قد تهدد اتفاق “أنقرة” الموقع بين الصومال وإثيوبيا…
وقّعت كلٌّ من الصومال وإثيوبيا، قبل أيام، اتفاقية بوساطة تركية تهدف إلى إنهاء الخلافات التي نشبت بين الدولتين منذ نحو عامين.
تواجه هذه الاتفاقية تحديات وتأثيرات داخلية وخارجية قد تضعها في اختبار الاستمرارية والصمود. هذه النقاط وغيرها كانت محور مقابلة أجراها موقع “أفريقيا برس”، مع الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور الطاهر حسن الطاهر.
كيف تنظر إلى طبيعة الاتفاق الذي جرى بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركية؟
بطبيعة الحال، الاتفاق ما يزال على الورق، أي أنه لم يُنفذ على أرض الواقع بعد. ومع ذلك، يبدو أن كلتا الدولتين درستا بنود الاتفاق بشكل جيد، واختارتا التوافق بدلاً من الدخول في خلافات جديدة قد تفاقم الأزمة التي بلغت ذروتها سابقًا بتبادل الاتهامات وسحب التمثيل الدبلوماسي، إضافة إلى تقديم الشكاوى في المنابر الإقليمية والدولية.
يبدو أن الاتفاق الذي جرى في “أنقرة” جاء بعد توفير جملة من الضمانات والتعهدات التي تحفظ لكل طرف مصالحه. إثيوبيا، على وجه الخصوص، تطلعت إلى تحقيق وجود بحري يتيح لها تصدير منتجاتها ويخفف من الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهلها، حيث تدفع سنويًا 6 مليارات دولار لصالح الحكومة الجيبوتية.
هل تعتقد أن مثل هذا الاتفاق قادر على الصمود؟
مسألة صمود واستمرارية الاتفاق مرتبطة بعدة عوامل أساسية، أبرزها الأطراف القائمة على هذا الاتفاق، وتحديدًا “تركيا”، التي تمتلك نفوذًا كبيرًا في منطقة شرق أفريقيا سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي. هذان العاملان يمكن أن يكونا مؤثرين في نجاح الاتفاق، خاصة إذا كان النفوذ التركي قويًا بما يكفي لتعزيز استمرارية الاتفاق، مما قد يحقق ما فشلت فيه مؤسسات ومنظمات الاتحاد الأفريقي مثل مجلس السلم الأفريقي ومنظمة “الإيقاد”.
ومع ذلك، فإن الاتفاق لن يصمد طويلاً إذا لم يتم حل وحسم الصراع الداخلي بين الأطراف الصومالية. كما أن تصاعد التوتر في الصراع المصري الإثيوبي حول سد النهضة قد يؤدي إلى تدخل مصري يؤثر على العلاقة الإثيوبية الصومالية، مما يشكل تحديًا إضافيًا لصمود الاتفاق.
ما أبرز التحديات التي قد تواجه مثل هذا الاتفاق؟
بالتأكيد هناك مجموعة من التحديات التي تحيط باتفاق أنقرة الموقع مؤخرًا بين الصومال وإثيوبيا، وأبرزها الأطراف الصومالية الداخلية. على رأس هذه التحديات تأتي قيادة حكومة إقليم “أرض الصومال”، التي سبق وأبرمت اتفاقية خاصة منحت بموجبها 30٪ من عملية تشغيل ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر لإثيوبيا. من المتوقع أن تتمسك القيادة السياسية للإقليم بهذا الاتفاق، مما قد يزيد من حجم الخلاف الداخلي في الصومال.
كذلك، فإن المعارضة السياسية في حكومة المركز بمقديشو قد ترفض الاتفاقية باعتبارها تعزز فرضية منح إثيوبيا منفذًا بحريًا على حساب الأراضي الصومالية ومواطنيها. ويعود ذلك إلى النظرة التاريخية لإثيوبيا كخصم، خاصة منذ أزمة إقليم “أوغادين”.
لذلك، تحتاج الصومال إلى تهيئة الأوضاع الداخلية للاستفادة من الاتفاقية. كما يجب عليها أن توضح خطوتها لحلفائها، مثل مصر وإريتريا، اللتين أصبحتا تراقبان عن كثب مشاريع المصالح الإثيوبية في منطقة القرن الأفريقي.
ما مدى تأثيرات الاتفاق على تحالفات البلدين الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط؟
هناك عدة تأثيرات قد يحملها هذا الاتفاق، حيث يهدف في نهاية المطاف إلى خلق تموضع جديد ومكانة راسخة لمشروع التوسع الاقتصادي التركي في أفريقيا، عبر دول منطقة شرق أفريقيا مثل إثيوبيا والصومال، وهما الدولتان الأقرب للإدارة التركية في تحقيق مصالحها وسط تنافس قوي مع دول مثل الصين، وروسيا، وحتى فرنسا.
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع وتيرة التهديدات التي تتشكل من وقت لآخر حول ممرات التجارة الدولية، مثل مضيق باب المندب وخليج عدن، كان دافعًا لتركيا لتوقيع اتفاقية دفاعية في أكتوبر الماضي مع الحكومة الصومالية لحماية المياه الإقليمية الصومالية. هذا يعكس إدراك تركيا لأهمية الموقع الجيوسياسي لدولة مثل الصومال.
أما على مستوى إثيوبيا، فقد لعبت تركيا دورًا كبيرًا في دعم نظام رئيس الوزراء آبي أحمد أمام المعارضة المسلحة في إقليم تيغراي، من خلال تقديم دعم لوجستي ساهم في القضاء على المجموعات المسلحة التي كادت أن تسقط الحكومة. هذا الدعم يؤكد رغبة تركيا في الاحتفاظ بقيادات تخدم مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، وهو ما سيكون له تأثير مستقبلي في إعادة تشكيل واقع المنطقة.
ما مدى صحة أن اتفاق “أنقرة” قد يفسح المجال أمام إثيوبيا للتحرك في منطقة البحر الأحمر بشكل أكبر؟
من المؤكد أن إثيوبيا وافقت على الصفقة وهي تدرك جيدًا أن الاتفاقية ستتيح لها فرصة جديدة للتحرك بشكل أكبر في منطقة البحر الأحمر، مما سيخفف عنها الكثير من الأعباء الاقتصادية، ويمكنها من لعب دور مؤثر في منطقة شرق أفريقيا. يأتي ذلك في ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، حيث تُعتبر دول المنطقة على موعد مع أدوار استراتيجية متزايدة في سياق التقاطعات والخلافات العالمية.
كما أن إثيوبيا تسعى من خلال هذا الاتفاق لتحقيق هدفها الأساسي المتمثل في التخلص من عبء كونها دولة “حبيسة”، وهو وضع طالما شكل لها هاجسًا أمنيًا. يُضاف إلى ذلك الدور المتزايد لبعض الدول في بناء وتأسيس قواعد بحرية لتعزيز أمنها القومي، وهو ما قد يشجع إثيوبيا على اتخاذ خطوات مشابهة.
ماذا عن مستقبل العلاقة بين البلدين في ظل ما حدث من اتفاق؟
مستقبل العلاقة بين الصومال وإثيوبيا يعتمد على سياسات الدولتين الداخلية ورغبة كل طرف في الانتقال من مرحلة العداء والحرب الباردة إلى تعزيز التعاون وتبادل المصالح.
الصومال بحاجة إلى إثيوبيا للمساعدة في تأمين حدودها، وإنهاء نشاط الجماعات الإرهابية، وتحقيق قدر من التماسك الاجتماعي الداخلي. من جانبها، تسعى إثيوبيا إلى تنفيذ مشروعها الهادف إلى تعزيز عائداتها الاقتصادية من خلال التوسع الخارجي، وهو ما يجعل التعاون مع الصومال جزءًا من استراتيجيتها لتحقيق الاستقرار والنمو.