مقالات وتقارير

عصام حسن علي يكتب : السودان يكسب قضيته… والعدالة الدولية تخسر ضميرها

الخرطوم فوري نيوز

عصام حسن علي يكتب…..

السودان يكسب قضيته… والعدالة الدولية تخسر ضميرها

في مشهد يكشف التناقض العميق بين المبادئ المعلنة للقانون الدولي وواقع ممارسته، كسب السودان جولة قانونية بارزة، بينما خسرت العدالة الدولية ما تبقى من ضميرها. ففي الوقت الذي كانت فيه أنظار ضحايا الإبادة الجماعية وذويهم معلّقة بأمل الإنصاف، جاءت قرارات المحكمة الدولية لتؤكد أن السياسة لا تزال تتحكم في مسار العدالة، وأن مجلس الأمن – الذي تتحكم فيه إرادات القوى الكبرى – هو الموجه الحقيقي لما يُسمى بالعدالة الدولية.

القرار الأخير كشف بوضوح كيف يمكن أن تفلت الدول والجهات الضالعة في جرائم الإبادة الجماعية من العقاب، حين تحظى بغطاء سياسي. فبدلاً من أن تكون المحكمة الجنائية الدولية منصة للإنصاف ومحاسبة المجرمين، أظهرت أنها أداة مرنة يمكن ليّ عنقها وفقاً لمصالح الكبار. أما ضحايا السودان، ممن دفعت أسرهم ثمناً باهظاً في دارفور وسواها، فلم يجدوا في هذا القرار سوى صدمة أخرى تؤكد لهم أن صوت العدالة قد خفت، إن لم يكن قد صُمت تماماً.

وفي المقابل، فإن من وُصف براعي الميليشيا الإرهابية لا يزال يواجه مأزقاً أخلاقياً وسياسياً يتعمق مع كل جولة. فمهما حاول التهرب من طائلة القانون، فإن فقدان الثقة فيه يتسع دولياً، وصورته تتآكل، خاصة بعد أن باتت محكمة يُفترض أن تكون عادلة غير قادرة على التعامل مع جرائمه بشفافية.

المفارقة أن معظم القانونيين والمختصين حول العالم أجمعوا على أن القرار الأخير للمحكمة لا يتسق مع القواعد القانونية الدولية، بل يمثل تراجعاً خطيراً في مسار العدالة الدولية. وهذا يُنبئ بعواقب وخيمة، ليس فقط على السودان، بل على كل القضايا العادلة في العالم التي تنتظر الإنصاف.

إن ما حدث لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الواقع السياسي الذي يطوّق المؤسسات الدولية. فالقانون الدولي، رغم مبادئه السامية، لم يعد محصناً ضد التسييس. وإذا استمرت المؤسسات القضائية الدولية في هذا النهج، فإنها لا تخسر فقط قضايا، بل تخسر ثقة الشعوب، وتُرسّخ الشعور بأن العدالة في هذا العالم أصبحت انتقائية.

السودان اليوم ليس فقط قد كسب جولة قانونية، بل وجّه صفعة للنظام الدولي المتهاوي في قيمه. أما العدالة الدولية، فقد خسرت مرة أخرى فرصة لتأكيد حيادها، وفضّلت أن تواصل تواطؤها الصامت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى